أراد الله لمجتمعات المسلمين أن تحيا حياة الأمن والأمان، يأمن كل من يعيش
في هذه المجتمعات على نفسه وعرضه وماله، ولأجل هذا الغرض حرَّم الشرع
المطهر الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، بل جعلها من الضرورات الخمس
التي أتى الإسلام بحفظها وهي: الدين، والعقل، والأنفس، والنسل ، والأموال.
إن
السرقة آفة من الآفات التي تعرِّض أمن الأفراد والمجتمعات للخطر، ولهذا
جاءت أدلة الشرع تحذر المسلم من السرقة و تزجر من تسول له نفسه سرقة أموال
الآخرين ومن ذلك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يأخذ البيعة على من أراد الدخول في الإسلام على أمور عظيمة منها تجنب
العدوان على أموال الناس بالسرقة:
" بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ..." الحديث (روه البخاري ومسلم).
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن المؤمن الصادق القوي في إيمانه لا يجرؤ على السرقة:
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن..." (رواه البخاري ومسلم).
ومن
هذه الزواجر ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق
الحبل فتقطع يده". أي يسرق البيضة أولاً فيعتاد حتى يسرق ما قيمته ربع
دينار فأكثر فتقطع يده إذا انكشف أمره، ورفع إلى حكم الإسلام.
فانظر كيف يرهب الإسلام من السرقة لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يلعن السارق؟!.
ومن
الأدلة التي تبين قبح هذه الجريمة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
عما رآه من أصناف تُعذَّب في النار فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد جيء
بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها (أي لهيبها)،
وحتى رأيت فيها صاحب المحجن (عصا ثني طرفها) يجرُّ قُصْبَه ( أمعاءه) في
النار؛ كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل
عنه ذهب به" [رواه مسلم].
آخر الدواء الكي
فإن لم تُجْد هذه
الزواجر نفعًا وتجرأ أصحاب النفوس الضعيفة على سرقة أموال الناس ورُفع
أمرهم إلى القضاء وثبتت التهمة بضوابطها المعروفة شرعًا فحينئذ تقطع هذه
اليد الآثمة زجرًا لصاحبها، وحفظًا لأموال الناس وأمنهم. قال الله تعالى:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا
كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].
وحين
كان هذا الحد مطبقًا في ديار الإسلام كان الناس آمنين على أموالهم حتى إن
أصحاب التجارات والمحلات كانوا يذهبون لأداء الصلوات وأبواب محالهم مفتحة
لا يخافون عدوان المعتدين.
لكن حينما تبعت كثير من البلاد الإسلامية
النظم الوضعية التي استوردوها من أوروبا انتقلت إليها أوبئة الجرائم
الموجودة في بلاد غير المسلمين، وضعفت بترك حدود الإسلام شروط الأمن. ومن
أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متى رفع إليه أمر السارق أقام
أقام عليه الحد ولم يجامل في ذلك أحدا مهما علت منزلته أو شرف نسبه ،
وأعلنها صريحة مدوية: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" [رواه
البخاري ومسلم].
الحدود كفارات
وهذا الحد الشرعي حين يقام
على من يستحقه يؤدي إلى شيوع الأمن وزجر ضعاف النفوس، كما أنه يكفر عن
صاحبه ذنبه ويكون توبة له، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
قال: "إن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين
سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله! إن هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن
نفديها بخمسمائة دينار. فقال: اقطعوا يدها. فقطعت يدها اليمنى. فقالت
المرأة: هل لي من توبة؟ قال: نعم. أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك.
فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ
وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [المائدة:39]".
إن بعض المبغضين للإسلام يحاولون التشويش
من خلال انتقاد هذه الحدود التي شرعها رب العالمين بحجة أن جريمة السرقة لا
تستحق كل هذه العقوبة وأسوتهم في ذلك أبو العلاء المعري الذي اعترض على
هذا الحد قائلا:
يد بخمس مئين عسجد وُديت مابالها قطعت في ربع دينار
فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي: لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت.
كما ينسب إلى الإمام السخاوي قوله في الرد على المعري:
عِز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري
نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل مكروه وسوء، وأن ينشر الأمن والأمان والرخاء على سائر بلاد المسلمين